المقالات

فضل قضاء حوائج الناس

فضل قضاء حوائج الناس

فضل قضاء حوائج الناس

السعي في قضاء حوائج الناس من الأخلاق الإسلامية العالية الرفيعة التي ندب إليها الإسلام وحث المسلمين عليها , وجعلها من باب التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا الله تعالى به ، فقالجل جلاله في محكم تنزيله : ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾   ([1]).

فهي من أحب الأعمال إلى الله تعالى وفي الحديث عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رجلاً جاء إلى رسول الله فقال يا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ , وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ , أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً , أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا , أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا , وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا , وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ , وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ )     ([2]) .

ففي قوله -صلى الله عليه وسلم- هذا إشارة إلى فضل المشي مع المسلمين في قضاء حوائجهم ، والمراد بالحاجة أي حاجة كانت: مالية أو علمية أو أدبية ، دينية أو دنيوية .

والمراد بقوله -صلى الله عليه وسلم- (أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ) أن الذي يمشي في حاجة أخيه المسلم حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم القيامة على الصراط ، الذي هو أرق من الشعرة ، وأحد من السيف ، وعلى جنبتيه كلاليب وخطاطيف ، تتخطف الناس .

ولقد كثرت الأحاديث في الحث على السعي في قضاء حوائج المسلمين ، منها حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ)   ([3]).

وقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث : ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ ، مَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )     ([4]) .

وكلها تحث على السعي في قضاء حوائج المسلمين ، وتبين أن الوقت الذي ينفقه المسلم في قضاء حاجة أخ له لا يضيع سدى، بل إن الله تبارك وتعالى يعطيه خيرًا مما بذل وأكثر، فإنك لو أعطيت أخاك المسلم قليلًا من وقتك ، تسعى معه في قضاء حاجته ، أعطاك الله خيرًا مما أعطيت أخاك المسلم وأكثر مما بذلت له ، فعلى العاقل أن يستعين على قضاء حاجة نفسه بالسعي في قضاء حاجات المسلمين ، فإنك إذا سعيت في قضاء حاجات المسلمين سعى الله تعالى في قضاء حاجتك بتيسيرها. فأيهما خير لك ؟! أن تسعى أنت في حاجة نفسك ، أم يسعى الله العليم القدير، الذي بيده ملكوت كل شيء ، وعنده خزائن كل شيء، في قضاء حاجتك بتيسيرها .

ومن هنا كان السلف الصالح  أشد حرصًا من غيرهم على المشي في قضاء حوائج المسلمين ، روي أن الحسن البصري -رحمه الله – بعث نفرًا من أصحابه في قضاء حاجة لرجل مسلم ، وأمرهم أن يمروا بثابت البناني فيأخذوه معهم ، فأتوا ثابتًا فأخبروه ، فقال: إني معتكف، فرجعوا إلى الحسن . فقال لهم : قولوا له يا أعمش! أما تعلم، مشيك في قضاء حوائج المسلمين خير لك من حجة بعد حجة. فرجعوا إلى ثابت فترك اعتكافه وخرج معهم.

ولقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعاهد الأرامل بالليل يستقي لهن الماء فرآه طلحة  ليلة يدخل بيت امرأة ، فدخل طلحة على المرأة نهارًا فإذا هي امرأة عمياء مقعدة . فقال لها: يا هذه ما يصنع هذا عندك؟ قالت: إنه منذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى .

اقض الحوائج ما استطعت ، واسعَ في حوائج المسلمين ما استطعت ، تذكر أن ما بك من نعمة فإنما أنعم الله بها عليك لتنفع المسلمين ، وتمشي في حوائجهم ، فإن أنت فعلت أتم عليك نعمته وزادك منها ، وإن أنت بخلت وتركت المشي في قضاء حوائج المسلمين ذهبت عنك نعمة الله تبارك وتعالى مصداقًا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ )   ([5]).

فيا أخا الإسلام :

اقض الحوائج ما استطعت *** وكــن لِهَمِّ أخيك فارج
فلخــير أيــام الفتـى *** يوم قضى فيه الحوائـج

[1] – سورة المائدة: الآية 2

[2] – رواه الطبراني في المعجم الصغير وصححه الألباني.

[3] – رواه مسلم في صحيحه.

[4] – رواه مسلم في صحيحه.

[5] – رواه البيهقي وحسنه الألباني لغيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق