المقالاتعام

بأخلاقك تسمو لا بعبادتك وحدها

بأخلاقك تسمو

يحصر كثير من الناس الإسلام في عبادات تؤدى أو شعارات ترفع ، فيكون انتماؤه للإسلام مصلياً في المسجد، أو زائراً لبيت الله حاجًّا ملبياً ، فإذا فرغ من هذه العبادة أو تلك لم تجد للإسلام في حياته دوراً ، بل تجده شخصاً آخر لا علاقة لأخلاق الإسلام بما يمارسه هو على أرض الواقع .

لذلك كله حذّر النبي – صلى الله عليه وسلم – من هذا المفهوم الخاطئ من أن العبادة وحدها سبب لنجاة العابد من النار ، أو أن هذه العبادة أو تلك تعطيه الضوء الأخضر ليسلك العبد أي سلوك شاء فقال- صلى الله عليه وسلم – في الحديث : ( أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ . فَقَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ . وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ) ([1]).

فمع أن هذا الصنف من الناس أجاد في العبادة أيما إجادة بدليل حصوله من خلال أدائها على جبال من الحسنات إلا أنه كان فاشلاً في علاقاته الاجتماعية ومعاملاته مع الناس فحق له أن يكون يوم القيامة صفر اليدين ؛ وذلك لأن العبادة لم تؤت ثمارها التي شرعت من أجلها ، فالعبادة ما شرعت إلا لتحسين المعاملات وضبط السلوك ، فالصلاة على عظم قدرها جُعل من مقاصدها العظيمة أن يبتعد المسلم عن الفحش فقال – جل جلاله –  : ﴿..وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾ ([2]).

وكذلك بالنسبة لعبادة الصيام جعل المقصد منها حفظ اللسان عن الوقوع في أعراض الناس ، وألّا يكون سبباً في سلب حقوقهم . فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – في معرض حديثه عن الصيام : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) ([3]). فالمسلم الحق هو الذي يترجم الإسلام ترجمة عملية على واقعه الذي يحياه ، ولقد جعل الإسلام حسن المعاملة وحسن العلاقة مع الآخرين من كمال الإيمان
فقال جل جلاله : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ) ([4]).

وفي مقابل ذلك جعل المعاملة السيئة مع الناس سبباً لدخول النار حتى وإن أُدِّيت العبادة للحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – 🙁 قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا . قَالَ : هِيَ فِي النَّارِ . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ -القطعة من اللبن المجفف – وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا . قَالَ : هِيَ فِي الْجَنَّةِ) ([5]).

بل إن الإسلام أراد أن يسمو بالمسلم في علاقته ليس مع بني جنسه فحسب بل مع الحيوان – أكرمكم الله – فقال- صلى الله عليه وسلم – 🙁 عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ . قَالَ : فَقَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ :
لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا ، وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ)
([6]).

لذلك أخوة الإيمان والإسلام من الواجب علينا أن تكون نظرتنا للإسلام نظرة شاملة لجميع جوانبه فالمعاملة الحسنة هي أصل في الدين ولا يجب تركه ؛ لنحظى بسعادة الدارين الدنيا والآخرة .

[1] – رواه مسلم في صحيحه .

[2] – سورة العنكبوت: الآية 7

[3] – رواه البخاري في صحيحه .

[4] – رواه البخاري في صحيحه .

[5] – رواه أحمد في مسنده وصححه الألباني .

[6] – رواه البخاري في صحيحه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق