المقالاتحقوق ضُيِّعتعام
حق الأسرى

حق الأسرى
مشاعر فرح مختلطة بدموع الحزن تلك التي عاشها شعبنا الفلسطيني بكل شرائحه قبل أيام عند خروج الدفعة الثانية من أسرى الحرية ، بسمة لم تستطع أن تستمر حتى يعلوها مسحة حزن أليمة ؛ بأنه قد بقي في سجون الاحتلال الصهيوني عشرات المئات من الأسرى الفلسطينيين . مازالت دموع أبنائهم تسيل على خدودهم ينتظرون أيادي والديهم لتمسح هذه الدموع بكل حب وحنان ، وما زالت أمهاتهم تنتظر لحظة ضمهم لصدورهن ، ما زالت نساؤهم تعد الأيام والليالي بل الساعات والدقائق للحظة الإفراج عن أزواجهن .
أليس من حق هؤلاء الأبناء وهذه الأمهات وتلك الزوجات أن ينعموا بإطلاق سراح ذويهم .
أليس من حق هؤلاء الأسرى أن ينعموا بشمس الحرية ، وأن يتنسموا عبيرها ؟.
فيا ترى من الذي ضيَّع هذا الحق ؟
هل هي المقاومة الفلسطينية التي استطاعت عبر سنوات الاحتلال بالإفراج عن المئات من الأسرى وليس آخرها بإذن الله صفقة الأحرار التي نشهد ثمارها ؟.
أليس هذا حق ضيَّعه عموم المسلمين المتخاذلين عن نصرة فلسطين بمقدساتها وشعبها ؟، أما سمع هؤلاء أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بفك الأسرى في الحديث الذي رواه البخاري عن أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( فُكُّوا الْعَانِيَ – يَعْنِي الْأَسِيرَ- وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ ).
أما علموا أن من قصَّر في حق الأسرى الفلسطينيين وغيرهم من أسرى المسلمين ولم يعمل على تحريرهم وإخراجهم من السجون هو آثم . واستمع لابن العربي – رحمه الله – وهو يوضح ذلك في أحكام القرآن فيقول: “ إلَّا أَنْ يَكُونُوا أُسَرَاءَ مُسْتَضْعَفِينَ ; فَإِنَّ الْوِلَايَةَ مَعَهُمْ قَائِمَةٌ , وَالنُّصْرَةَ لَهُمْ وَاجِبَةٌ بِالْبَدَنِ بِأَلَّا يَبْقَى مِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ حَتَّى نَخْرُجَ إلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ إنْ كَانَ عَدَدُنَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ , أَوْ نَبْذُلَ جَمِيعَ أَمْوَالِنَا فِي اسْتِخْرَاجِهِمْ , حَتَّى لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ دِرْهَمٌ كَذَلِكَ .
قَالَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ الْعُلَمَاءِ : فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى مَا حَلَّ بِالْخَلْقِ فِي تَرْكِهِمْ إخْوَانَهُمْ فِي أَسْرِ الْعَدُوِّ , وَبِأَيْدِيهِمْ خَزَائِنُ الْأَمْوَالِ وَفُضُولُ الْأَحْوَالِ وَالْعُدَّةُ وَالْعَدَدُ , وَالْقُوَّةُ وَالْجَلَدُ “.
فأين أصحاب الأموال المتكدسة في الحسابات السرية من إطلاق سراح أسرى المسلمين عامة وأسرى الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص ، الذين يدافعون عن كرامة الأمة وكرامة المتخاذلين عن نصرة المسجد الأقصى ؟.
أين الصارخون الناعقون بحقوق الإنسان وحقه في العيش بحرية وكرامة ؟، أم أن ذلك لا يكون إلا بما يتعلق بالجنود الصهاينة والأمريكيين ومن على شاكلتهم .
أما سمع هؤلاء المضيِّعون قول الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسير قوله جل جلاله : ﴿ وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ سورة النساء : الآية 75.
قال : “ هو حض على الجهاد ، و هو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب و يفتنونهم عن الدين ، فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته ، و إظهار دينه و استنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده و إن كان في ذلك تلف النفوس “. فلم لم تتحرك الجيوش العرمرم التي لا نراها إلا في الاستعراضات العسكرية على شاشات التلفاز ، أو من خلال قمع الشعوب المستضعفة التي ترفض الذل والعبودية والاستعمار والتطبيع مع العدو.
واستمع لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في مجموع الفتاوى وهو يقول : ” فِكَاكَ الْأَسَارَى مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ وَبَذْلَ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ “ .
فأين المُلبُون لهذه الواجبات؟
وأين المتسابقون في تحصيل هذه القربات ؟
إن أبى الكثيرون النهوض لنصرة أسرى المسلمين في فلسطين ، فكفانا فخرًا نحن أبناء الشعب الفلسطيني أن مَنَّ الله علينا بالجهاد والمقاومة على أرض الإسراء والمعراج .
إن لم يستجب المسلمون في العالم لصرخات أخواتنا الأسيرات في سجون الاحتلال الصهيوني ولم نجد فيهم نخوة المعتصم ، فلا شك أن صرخاتهن ستصل إلى من شمروا ساعد الجد وأعلنوا الجهاد في سبيل الله ضد الاحتلال الصهيوني .
إن لم تصل معاناة الأسرى وآهاتهم لآذان العرب أصحاب الأموال والجيوش الجرارة فلا شك أنها ستصل إلى قلوب القابضين على الزناد من المرابطين على ثرى الوطن الحبيب .
حق الأسرى أمانة في أعناق المسلمين جميعًا وفكاكهم هو فرض كفاية عليهم جميعًا ، فإن تحققت حريتهم على أيدي جماعة من المسلمين سقط الإثم عن الباقين ولكن….إن لم يتم إطلاق سراحهم سيأثمون جميعًا .
لذلك لا بد أن نعلم جميعًا أن الالتفاف حول خيار المقاومة وإعلان الجهاد في سبيل الله تعالى هو الخيار الأمثل للحفاظ على حق الأسرى وعلى فلسطين .
أما خيار المفاوضات الهزيلة والتطبيع العقيم فلم ولن نجنيَ منه سوى مزيد من الذل والهوان ومزيدا من تضييع حقوق الأسرى، بل تضييع حق الشعب الفلسطيني بأكمله في العيش بكرامة.
[1] – نُشِرَ هَذَا المَقَالُ بِتَارِيخِ: 22/12/2011م.