حقوق ضُيِّعتعام

حق فلسطين الحبيبة

حق فلسطين الحبيبة

حاولت قبل الشروع في كتابة هذا المقال أن أعقد مقارنة – إن جاز لي ذلك – بين ما فاجأتنا به وسائل الإعلام القطرية الشقيقة بخارطة فلسطين – على المقاس القطري – التي عُرضت خلال الألعاب العربية 2011م ، وهي تُظهر للعالم خارطة فلسطين محصورة في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وبين ما قاله السلطان العثماني عبد الحميد الثاني – رحمه الله – الذي ما زالت كلماته تدوّي في سماء فلسطين عندما تعرض للمساومة والابتزاز بعد أن ألحّ عليه زعماء اليهود ليمنحهم وطنًا قوميًّا فيها ؛ ورغم كل المحن التي كانت تمر بها الدولة العثمانيّة ، ورغم الديون التي كانت تثقل كاهلها، إلا أنه أبى التنازل قائلًا : ” هذه الأرض ليست ملكي ؛ إنها أرض آبائي و أجدادي ، ولعمل المبضع في جسدي أهون عليّ من أن أتنازل عن شبر واحد من أرض المسلمين!”.

فيا تُرى أيُّ الفريقين خير مقامًا وأحسن نديًا أهذا العربي الذي لم يفهم لغة القرآن الكريم الذي وُصفت فلسطين فيه بأنها أرض مباركة أسرى الله إليها أكرم خلقه رسوله وحبيبه محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- وخلَّد ذلك في القرآن الكريم فقال جل جلاله  :﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾   سورة الإسراء :الآية 1.

أَوَ ليس هو القائل جل جلاله :﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾   سورة الأنبياء :الآية 71.

وأكّد جل جلاله  على بركته فقال : ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾     سورة الأنبياء :الآية 81.

أم ذلك التركي في دولة الخلافة الإسلامية الذي علم أن أرض بيت المقدس كانت وما زالت بمثابة البوصلة التي من خلالها يعرف المسلمون مدى قوتهم وعزتهم ، والمقياس الحقيقي الذي يقيسون به كرامتهم ورفعتهم؛ فإن كانت فلسطين في حمى المسلمين كانوا على خير عظيم ، وكان الخير يعم على العالمين ؛ وإلا… فالعالم كله في اضطراب .

لذلك لا بد أن تكون فلسطين في قلب وعقل كل مسلم موحد بالله ؛ لا بد أن تكون البوصلة دومًا موجهة نحو فلسطين ، والاستعداد المتواصل لشد الرحال إلى أرض الإسراء والمعراج ؛ فلن تكون نهاية أهل الباطل إلا على أرض فلسطين.

لذلك كان السلطان عبد الحميد الثاني – رحمه الله – فطنًا عندما حرَّم بيع الأراضي الفلسطينية لليهود ، بل ومنع هجرة اليهود إليها ؛ لعلمه التام بخطورة التفريط في فلسطين وأنها أرض وقف إسلامي .

فكان واجبًا على كل مسلم أن يعيَ تمامًا أن قاعدة : ( فلسطين لا تقبل القسمة على اثنين) ليست قاعدة رياضية ؛ بل هي قاعدة عقائدية يجب الإيمان بها ؛ لأن فلسطين كل فلسطين آية من كتاب الله لا تقبل التجزئة وما غزة والضفة إلا جزء من فلسطيننا الحبيبة . وأن الدفاع عن فلسطين هي فريضة شرعية كفريضة الصلاة والصيام ، كما أن لها مكانة عظيمة في الإسلام ومما يؤكد ذلك حديث زَيْد بْن ثَابِت رضي الله عنه قَالَ 🙁 بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إذْ قَالَ : طُوبَى لِلشَّامِ طُوبَى لِلشَّامِ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-

، وَلِمَاذَا ؟ قَالَ : لأَنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمَن بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا)    رواه الترمذي وصححه الألباني.

ولم لا تكون لها هذه المكانة وهذه القدسية وهي أرض المحشر والمنشر لحديث أَبِي ذَرٍّ  رضي الله عنه  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( الشَّامُ أَرْضُ الْمَحْشَرِ ، وَالْمَنْشَرِ )   صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

فمتى سننفض عن أنفسنا غبار المذلة والهوان والتخاذل عن فلسطين جرح الأمة النازف ؟.

متى ستكون فلسطين القضية المركزية للمسلمين جميعًا ؟.

متى ستكون على سُلم أولوياتنا وليست على هوامش أعمالنا ؟.

هل سيبقى المسلمون يتغنون على وطن ضاع وشُرد أهله ؟

وعلى نصر تليد مر عليه زمن طويل ؟.

أم أنهم سيركبون سفينة العز والكرامة ويرفعون راية الجهاد في سبيل الله ، ولتعلموا يا من تريدون أن تلحقوا بركب الجهاد والمقاومة ونصرة فلسطين – ذلك الجرح النازف في قلب الأمة الإسلامية – أنكم بإذن الله منتصرين مصداقًا لبشرى الحبيب -صلى الله عليه وسلم-

في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عَنْ ‏ ‏أَبِي أُمَامَةَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏

-صلى الله عليه وسلم ‏:(لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ ‏‏ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ‏ ‏وَأَكْنَافِ ‏‏ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ‏).

لقد اكتفت فلسطين من صمتكم ، كما اكتفى شعبها من دقيقكم ودوائكم .

والله إن ما تحتاجه فلسطين هو جهادكم ودماؤكم ، ما تحتاجه هو تطهيركم لها من بحرها إلى نهرها ، كما أن مسجدها الأقصى يحتاج أن يرفل بثوب الحرية وأن ترفرف رايات الإسلام عالية خفاقة على مآذن المسجد الأقصى المبارك .

وتحتاج قبل ذلك كله إلى إيمانكم بقدسيتها وحرمة التفريط فيها ، وعدم تضييعكم لحقها أن تنعم بالحرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق