حقي أن أكون مهاجرًاحقي أن أكون مهاجرًا (صوتي)عام

حقي أن أكون مهاجرًا–الحلقة (8) هجر ألفاظ الطلاق ج(3)

هَجْرُ أَلْفَاظِ الطَّلَاق 

تحدثنا في الجزأين الأول والثاني عن النهي عن الاعتياد على التلفظ بألفاظ الطلاق لما لها من أثر سلبي على الأسرة والمجتمع، وقد كان عامة الحديث فيه عن الرجل الذي لا يستطيع أن يضبط لسانه، أما في هذا المقال فهو خاص بالزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها من غير حاجة وبلا سبب.

والسبب الذي قد يدفع المرأة للمطالبة بالطلاق هو دوام سوء العشرة من الزوج لزوجته ليصل بهما الحال إلى استحالة العشرة الزوجية بينهما، واستحكام البغض في قلبيهما على بعضهما البعض، وعجز أهل الإصلاح عن حل الخلاف بينهما.

أما أن تطلبه –أي الطلاق- كلما شعرت بضيق أو حرج، أو كلما ضاقت الدنيا عليها، أو كلما منعها من أن تشتري ما تطلب…. إلى غير ذلك من الأمور البسيطة فهذا منهي عنه، ويجب على المسلمة أن تهجر مثل هذا الطلب للحديث عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ([1])، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ)([2]).

وإن طلب الطلاق من المرأة من غير ذي عذر من أكبر الأسباب التي تؤدي لتفكك المجتمع، وخراب البيوت، فالزوج لا يأمن متى ينقلب مزاج زوجته من الرضا إلى الغضب، ولا من السعادة للتعاسة، فهو قلق دائمًا من هدم عش الزوجية بيد زوجته لكثرة ترديدها طلب الطلاق.

ومن الأمور العجيبة التي تحدث في مجتمعنا عند بعض الزوجات، أن بعض الأزواج يتزوج بفتاة صغيرة السن لا تملك مؤهلًا علميًا يزيد عن الصف التاسع أو العاشر أو الحادي عشر على أقصى تقدير، ويجد في زوجته النباهة والاستعداد لإكمال تعليمها للثانوية العامة وما يليها من مرحلة جامعية، وهو لا يقدر على فعل ذلك لأن متطلبات الدنيا كثيرة، وهو يخرج من الصباح الباكر ليبحث عن لقمة العيش له ولزوجته وليوفر لها رسوم الدراسة من عرق جبينه، يحرم نفسه ملذات الدنيا حرصًا منه على إكمال زوجته لتعلميها الجامعي.

ثم تبدأ مرحلة البحث لها عن وظيفة تليق بشهادتها الجامعية – إن يُسِر لها ذلك–.

وإن كل ما سبق لا عيب فيه.

ولكن العيب كل العيب أن تتبجح بعض الزوجات -وبكل غدر- أنها ترغب بالطلاق من زوجها –العامل– لأنه أصبح هناك عدم تكافؤ بينها وبينه، وأن مستواها الثقافي يزيد عن مستواه مما أدى إلى عدم التفاهم في العلاقة الزوجية.

أو أنَّ عمل زوجها أصبح يوقعها في حرج كبير بين زميلاتها الموظفات.

أستحلفكم بالله: هل هذا الفعل يدل على الوفاء والإخلاص؟

هل طلب الطلاق كون زوجها عاملًا يدل على أن لديها ذرة فهم؛ لتقابل التضحية بطلب الفراق؟

هل هذا الفعل يدلل على احترام الزوجة لزوجها –الغلبان– الذي كل ما تمناه أن يرى زوجته في مكانة اجتماعية جيدة؟.

هل هذا الغدر من هذه الزوجة يجب أن يقابل بالموافقة لها على مطلبها والاستجابة له؟.

وبعض الزوجات يبلغ بها –الوقاحة– أن تقول لزوجها: أنا ما عندي مانع من دفع تكاليف الدراسة الثانوية أو الجامعية.

ولو ناقشنا هذا الأمر لوجدنا أن النفقات المادية التي قام بإنفاقها ذلك الزوج – الكادح – لم تتجاوز (خمسة آلاف دينار أردني).

فهل مخاسر الرجل هي فقط هذه النفقات المادية؟.

من يُعوض عليه تركه لرغباته وحرمانه لنفسه خلال هذه السنوات ليوفر لها متسعًا من الوقت للدراسة؟

هل حفنة من المال اكتسبته الزوجة بفضل – صبر هذا الزوج  وتضحيته – ستكفي هذا الزوج للتعويض عليه؟

من سيُعالج جرح هذا الرجل المعنوي عندما يشعر أنه كان جسرًا لعبور زوجته إلى مكانة اجتماعية تنظر إليه بعدها بأنه لم يعد بالمستوى المطلوب؟

بالله عليكم هل هذا جزاء هذه التضحية؟

هل هكذا علمنا القرآن الكريم حين قال: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾([3])؟.

هل هكذا جعل الإسلام المرأة تكافئ زوجها لما قدمه لها من خير، وهي المأمورة بطاعته؟.

وهكذا نرى أن الإسلام حافظ على الأسرة فنهى الزوج عن التلفظ بالطلاق بلا سبب، كما شدد على المرأة ان تطلب الطلاق من غير ذي بأس.

وكما جعل الإسلام سياجًا حاميًا للأسرة من الهدم الداخلي، فقد جعل أيضًا هناك سياجًا خارجيًا بعدم السماح لأي تدخل خارجي للعمل على هدم الأسرة فقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لما رواه أبو هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (ليس مِنَّا مَنْ خبَّب امرأةً على زوجها، أو عبداً على سَيدِه)([4]).

ولما رواه أبو هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسألُ المرأةُ طلاقَ أُختِها لِتستفرغ صحفَتها([5]) ولِتَنكِحَ، فإنما لها ما قُدِّرَ لها)([6]).

الله أسأل لي ولكم العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

[1]البأس: الشدة.

[2]صحيح. أخرجه ابن ماجه في سننه (5/722) ح (3925)، وصححه شعيب الأرنؤوط.

[3] – سورة الرحمن: الآية 60.

[4]صحيح. أخرجه أبو داود في سننه (2/220) ح(2177)، وصححه الألباني.

[5] – (لتقلب ما كانت في إناء أختها في أناها)والمعنى لتحرم أختها مما كانت تتمتع به من حظوظ وتستأثر هي بكل شيء.

[6]صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه (7/21) ح(5152) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق