المقالاتحقوق ضُيِّعتعام

حق الفقراء من لحوم الأضاحي

حق  الفقراء من لحوم الأضاحي ([1])

بداية أحمد الله عز وجل لكم أيها القُرَّاء الكرام أن منَّ الله علينا بهذه الأيام المباركات، التي أقسم الله بها في كتابه فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾([2]). وقال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ – يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ-. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ)([3]).

وقد اشتملت هذه الأيام على أمهات العبادات، وكان أعظم هذه العبادات فيها بعد الحج صيام يوم عرفة الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه في الحديث عن أبي قتادة صلى الله عليه وسلم: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)([4]) .

ومن أعظم أيام الله خلال العام يوم النحر وأعظم الأعمال في يوم النحر هو ذبح الأضاحي قربة لله جل جلاله كما قال مولانا تبارك وتعالى في كتابه: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ([5]).

لكن الإسلام أمر المسلم على الرغم من انشغاله بذبح أضحيته وأداء هذه الشعيرة العظيمة التي يؤديها يدلل على تقوى الله في قلبه كما قال مولانا جل في علاه: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ([6]).

ألا يضيع في زحمة هذا اليوم حق الفقراء والمحتاجين منها فقال سبحانه: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ([7]).

وقال مولانا عز وجل في موضع آخر في كتابه: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ([8]).

وتأكيدًا على أن هذا اليوم هو يوم فرح وسرور نُهينا عن صيام هذا اليوم كما ثبت ذلك عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ: (شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَجَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ صِيَامِهِمَا، يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْأَخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ)([9]).

وإتمامًا لفرحة العيد وزيادة في البهجة أمر النبي صلى الله عليه وسلم –استحبابًا– المُصلِّي ألا يأكل في البيت حتى يعود إلى بيته حتى يذبح أضحيته فيأكل منها عملًا بالسُنة لما رواه عَبْد اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ)([10]).

وسمى النبي r هذا اليوم عيدًا كما يروي لنا ذلك أَنَس رضي الله عنه قَالَ: ( قَدِمَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم اَلْمَدِينَةَ, وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا. فَقَالَ: قَدْ أَبْدَلَكُمُ اَللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ اَلْأَضْحَى, وَيَوْمَ اَلْفِطْرِ)([11]).

كما أنه من البدع والمنكرات أن يتم تخصيص هذا اليوم للأحزان وزيارة المقابر، بل يجب إدخال البِشْر والسرور على النفس وأهل البيت وها هو الحبيبصلى الله عليه وسلم ينهى أبا بكر tعن التشديد على أهل البيت في هذا اليوم تروي لنا ذلك أمُّنا عَائِشَةَ ل: (أنَّ أبا بَكْر رضي الله عنه دَخَلَ عَليَها في أيَامِ مِنى، وعَنْدها جارِيتَان تُغنيانِ، وتَضْرَبانِ بدُفينِ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُسَجِّى بثوبٍ عَلَى وَجْهِهِ، لا يأمُرهُنَّ ولا ينهاهُنَّ، فنهاهُنَّ أبو بَكْرt  فَكَشَفَ رَسُولُ الله r عَنْ وجِهِهِ الثَّوبَ، وَقَالَ: دعْهُنَّ يا أبا بَكْر فإنَّها أيامُ عِيدٍ)([12]).  

فيا الله ما أعظم هذا الدين، وما أيسر العمل به، دين فيه السماحة واليسر، فيه الطاعة والترويح عن النفس، دين يجمع بين متطلبات الروح والجسد، يجمع ما بين العمل للآخرة، وعدم نسيان نصيب الإنسان من الدنيا.

فلا تتردد في إدخال الفرحة على المسلمين في هذا اليوم المبارك.

ولا تتردد في قبول الخير من الناس قل أو كثر.

ولا تتردد في استقبال أيِّ فاعلٍ للخير.

وإليك هذه القصة والتي بعنوان: (جامعة ستانفورد)

توقف القطار في إحدى المحطات في مدينة بوسطن الأمريكية وخرج منه زوجان يرتديان ملابس بسيطة. كانت الزوجة تتشح بثوب من القطن، بينما يرتدي الزوج بزة متواضعة صنعها بيديه. وبخطوات خجلة ووئيدة توجه الزوجان مباشرة إلى مكتب رئيس (جامعة هارفارد) ولم يكونا قد حصلا على موعد مسبق.

قالت مديرة مكتب رئيس الجامعة للزوجين القرويين: الرئيس مشغول جدًا،  ولن يستطيع مقابلتكما قريبًا…

ولكن سرعان ما جاءها رد السيدة الريفية حيث قالت بثقة: سوف ننتظره.

وظل الزوجان ينتظران لساعات طويلة أهملتهما خلالها السكرتيرة تمامًا على أمل أن يفقدا الأمل والحماس البادي على وجهيهما وينصرفا.

ولكن هيهات…

فقد حضر الزوجان فيما يبدو لأمر هام جدًا. ولكن مع انقضاء الوقت، وإصرار الزوجين، بدأ غضب السكرتيرة يتصاعد، فقررت مقاطعة رئيسها، ورجته أن يقابلهما لبضع دقائق لعلهما يرحلان.

هز الرئيس رأسه غاضبًا: وبدت عليه علامات الاستياء، فمن هم في مركزه لا يجدون وقتًا لملاقاة ومقابلة إلا عليَّة القوم، فضلًا عن أنه يكره الثياب القطنية الرثة وكل من هم في هيئة الفلاحين، لكنه وافق على رؤيتهما لبضع دقائق لكي يضطرا للرحيل.

عندما دخل الزوجان مكتب الرئيس، قالت له السيدة أنه كان لهما ولد درس في (هارفارد) لمدة عام،  لكنه توفى في حادث.

وبما أنه كان سعيدًا خلال الفترة التي قضاها في هذه الجامعة العريقة، فقد قررا تقديم تبرع للجامعة لتخليد اسم ابنهما.

لم يتأثر الرئيس كثيرا لما قالته السيدة، بل رد بخشونة: سيدتي، لا يمكننا أن نقيم مبنى ونخلد ذكرى كل من درس في (هارفارد) ثم توفى، وإلا تحولت الجامعة إلى غابة من المباني والنصب التذكارية.

وهنا ردت السيدة: نحن لا نرغب في وضع تمثال، بل نريد أن نهب مبنى يحمل اسمه لجامعة (هارفارد)، لكن هذا الكلام لم يلق أي صدى لدى السيد الرئيس، فرمق بعينين غاضبتين ذلك الثوب القطني والبذلة المتهالكة ورد بسخرية : هل لديكما فكرة كم يكلف بناء مثل هذا المبنى؟.

لقد كلفتنا مباني الجامعة ما يربو على سبعة ونصف مليون دولار.

ساد الصمت لبرهة…

ظن خلالها الرئيس أن بإمكانه الآن أن يتخلص من الزوجين، وهنا استدارت السيدة وقالت لزوجها: سيد ستانفورد: ما دامت هذه هي تكلفة إنشاء جامعة كاملة فلماذا لا ننشئ جامعة جديدة تحمل اسم ابننا؟.

فهز الزوج رأسه موافقًا، وغادر الزوجان:(ليلند ستانفورد وجين ستانفورد) وسط ذهول وخيبة الرئيس، وسافرا إلى كاليفورنيا حيث أسسا جامعة ستانفورد العريقة والتي ما زالت تحمل اسم عائلتهما وتخلد ذكرى ابنهما الذي لم يكن يساوي شيئًا لرئيس جامعة (هارفارد)، وقد حدث هذا عام 1884م.

حقًا: من المهم دائمًا أن نسمع، وإذا سمعنا أن نفهم ونصغي، وسواء سمعنا أم لا، فمن المهم أن لا نحكم على الناس من مظهرهم وملابسهم ولكنتهم وطريقة كلامهم، ومن المهم: (أن لا نقرأ كتابا أبدا من عنوانه) حتى لو كان ثمنه عام 1884م (7000000) سبعة ملايين دولار.

[1] – نُشِرَ هَذَا المَقَالُ بِتَارِيخِ: 22/10/2012م.

[2] – سورة الفجر: الآية 1.

[3]صحيح. أخرجه أبو داود في سننه (2/301) ح(2440)، وصححه الألباني.

[4]صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه (2/818) ح(1162).

[5] – سورة الحج: الآية 37.

[6]–  سورة الحج: الآية 32.

[7] – سورة الحج: الآية 28.

[8] – سورة الحج: الآية 36.

[9]صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه (2/799) ح(1137).

[10]صحيح. أخرجه الترمذي في سننه (2/426) ح(542)، وصححه الألباني.

[11]صحيح. أخرجه أبو داود في سننه (1/441) ح(1136)، وصححه الألباني.

[12]صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه (2/23) ح(987).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق